مرثا عضو مبارك
عدد الرسائل : 253 العمر : 37 نقاط : 581 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 09/01/2009
| موضوع: 4 قرون و 4 صناع : الأربعاء مايو 06, 2009 5:41 pm | |
| [url=http:// ] [/url] النبي زكريا في العهد القديم عاش في منتصف القرن السابق لميلاد المسيح. رأى 8 رؤى وتنبَّأ 6 نبوَّات على بني إسرائيل. إن العهد القديم برؤاه ونبوَّاته يُعلِّمنا كيف يتعامل الله مع شعبه. ونحن في العهد الجديد شعبه.
وعلينا أن نعرف طُرق الله في التعامُل معه، لئلا إذا لم نعرف، تتوه منا مشيئة الله ويجري علينا ما جرى على بني إسرائيل، وحاشا لله أن يتركنا لهذا المصير.
رؤيا الأربعة القرون: ____________________________
بدأت الرؤيا بأن قال الله لزكريا: «نادِ أيضاً وقُل: هكذا قال رب الجنود: إن مُدُني تفيض بعد خيراً، والربُّ يُعزِّي صهيون بعد ويختار بعد أورشليم» (زك 1: 18).
أي أن الله ما زال يكنُّ لشعبه الآن المحبة والتعزية ويثبِّت اختياره لنا. ولكن زكريا رفع عينيه: «ونظرتُ وإذا بأربعة قرون»، إنها قرون مُرعبة. كانت تنطح وتصدم هنا وهناك وتوقِع الأقوياء والعظماء.
ولما سأل زكريا الملاك الذي كلَّمه: «ما هذه»؟ قال له: «هذه هي القرون التي بدَّدَتْ يهوذا وإسرائيل وأورشليم» (زك 1: 19)، إنها تُمثِّل القُوى التي قاومت كنيسة الله. إنها 4 قرون، أي أن الكنيسة تُهاجَم من 4 جهات تُطبق عليها من كل جهة. وإذا تأملنا لرأينا أن هذه الأربعة القرون هي:
أولاً: الحرب ضد التقوى في نفوس المؤمنين بالمسيح. وهذه الحرب تتخذ أشكالاً عدة. وفي النهاية تبثُّ في النفوس التهاون، واللامبالاة، والهروب من الصلاة، ودرس كلمة الله، ومسايرة أهل العالم في عاداته وأنماط حياته، ما يُطفئ من النفوس محبة الله، ويُضيِّع من الناس روح التقوى أي مخافة الله. أما آثارها فواضحة لكل ذي عين مستنيرة، وحتى لكل ذي عين غير مستنيرة. والأمثلة أمامنا والقصص تتكرر علينا في كل يوم، ونصرخ ونبكي دماً عنها أمام الله.
أما القرن القوي الثاني الذي يريد أن يُشتِّت شعب المسيح، فهو الضيق الحاضر المتمثِّل في: هموم الحياة، وصعوبة المعيشة، والغلاء والوباء (الأمراض المميتة)، والكوارث الشخصية والعامة، وأخطرها تمرُّد الأبناء والبنات على الآباء، وانقسام البيوت: الزوج ضد زوجته والزوجة ضد زوجها، ما ينتهي الآن بسهولة إلى الانفصال والطلاق المكروه من الله كما هو مكتوب: «لأنه (الله) يكره الطلاق» (ملاخي 2: 16)، وبالتالي ضياع التقوى، وقساوة القلب، وصعوبة التوبة.
أما القرن القوي الثالث الذي يريد أن يُحطِّم شعب المسيح فهو المجتمع المحيط بنا والمناوئ لكل ما دُعِيَ عليه اسم المسيح، وإن كان يأخذ أشكالاً مختلفة عن شكل الاضطهاد العلني المُنظَّم بأمر الدولة، كما كان في عصر الاستشهاد في القرون الثلاثة الأولى، وكما كان في عهد الملوك الغزاة منذ القرن السادس. وهو يُحارب الناس في رزقهم ومعاملاتهم وفي تعامل الفئات المتعصبة لهم.
أما القرن القوي الرابع، فهو أشبه بالقرن القوي الثالث، وإن اختلف اختلافاً جوهرياً، فهو يتمثَّل في الحروب المذهبية والعقائدية داخل الكنيسة نفسها. كما حدث من الملوك البيزنطيين في الجيل الخامس وما بعده، ما أذى الكنيسة ومؤسَّساتها ورهبانها ومؤمنيها أبلغ الأذى، والذي يتجدَّد ويتكرر في الأجيال اللاحقة من المشاحنات والمناقشات والمجادلات التي قال عنها القديس بولس إنها «المباحثات الغبية والسخيفة» التي «تُولِّد خصومات» (كما أوردها في رسالة تيموثاوس الثانية 2: 23)
داخل مجتمع المؤمنين. وقد تكرر هذا في كنيسة كورنثوس أيام بولس الرسول، وفي عصر الهرطقات في القرون من الرابع إلى السادس، وفي الأجيال اللاحقة. وهذا القرن القوي الرابع يهدف من خلال هذه المباحثات والمشاحنات الغبية والسخيفة إلى نزع روح التقوى من النفوس. ولذلك قال القديس بولس في الأصحاح التالي: «وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون» (2تي 3: 12).
انظر! إن هدف هذا القرن القوي المتخفي تحت ستار العقيدة والدفاع عن الحق الإلهي إنما يهدف إلى ما يهدف إليه القرن القوي الأول وهو: ”إبادة التقوى“ - أي مخافة الله - من نفوس المسيحيين عن طريق إغراقهم في المجادلات والمشاحنات والمباحثات العقائدية واللاهوتية الصعبة، فيفقدون سلامهم الداخلي وتتشتَّت قواهم الروحية والتَقَوية، فتنطفئ منهم الغيرة على خلاص نفوسهم. وقد شبَّه القديس بولس هذه المنازعات الداخلية قائلاً للمسيحيين في كنيسة غلاطية مُحذِّراً: «إذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضاً، فانظروا لئلا تُفْنُوا بعضكم بعضاً» (غلا 5: 15).
وماذا رأى زكريا النبي في مواجهة هذه القُوَى الأربعة؟_______________________________________________
لا شكَّ أن زكريا النبي شعر بالرعبة والامتعاض من هذه القرون وما تعمله. ولكنه رأى فجأة 4 صُنَّاع بآلاتهم الحادة ومناشيرهم القاطعة. فسأل: «هؤلاء ماذا يفعلون»؟ فردَّ عليه الرب قائلاً:
+ «هذه هي القرون التي بدَّدتْ يهوذا حتى لم يرفع إنسانٌ رأسه. وقد جاء هؤلاء (الصُّنَّاع) ليرعبوهم وليطردوا قرون الأُمم الرافعين قرناً على أرض يهوذا لتبديدها» (زكريا 1: 21).
فهؤلاء الرجال أحضرهم الله ليكسروا هذه القرون ويُفتِّتوها قطعاً قطعاً. والله يرى لنفسه دائماً الرجال لإتمام عمله، وهو يجدهم في الوقت المناسب. لأنه بسابق علمه بما سيأتي على الكنيسة، يختار الذين سيُرسلهم حتى منذ الحَبَل بهم وهم في بطون أُمهاتهم. ورأى الله أن يكونوا صُنَّاعاً، وله حكمة في ذلك.
والنبي زكريا لم يَرَ هؤلاء الصنَّاع أولاً لأن ليس لهم عمل يعملونه، بل رأى ”القرون“ أولاً، ثم بعد ذلك ”الصُّنَّاع“. ولم يُحضِر الله ثلاثة صُنَّاع بل أربعة، لأن هناك 4 قرون تُهدِّد عمله في الكنيسة، كما لم يَخْتَرهم من أية مهنة، بل من مهنة العمل الشاق القادر أن يُبدِّد هذه القرون القوية، أي العمل الروحي والجهاد والنسك والصلاة.
لذلك ينبغي فيما بعد أن لا نرتعب أو نخور من القُوَى الغاشمة التي تُحيط بالكنيسة، وبميراث القديسين، وبنفوس شعب المسيح الذين فداهم واقتناهم بدمه. فإنَّ الرب سيجد لنفسه العاملين المختارين المناسبين لأن يُزلزلوا عمل إبليس. فالقديس أثناسيوس الشاب الصعيدي الذي نشأ في عمق الصعيد، أو القديس يوحنا ذهبي الفم الذي تربَّى في شوارع وأزقَّة أنطاكية، أو القديس أُغسطينوس الذي تربَّى في المدارس الفلسفية في روما وأثينا، أو القديس كيرلس الذي نشأ وتربَّى في دير القديس مقاريوس يُرتِّل التسبحة كل ليلة؛ كل هؤلاء وغيرهم في كل جيل وحتى الآن أعدَّهم الله وأرسلهم في الوقت المناسب.
فالرب يعرف كيف يختار خدَّامه لأن عنده في سابق معرفته جمهرة من القديسين والأقوياء الذين ينتظرون كلمته ليبدأوا عملهم الشاق، لأن «للرب حرب مع عماليق» (خر 17: 16)، لكنها حرب روحية أشقُّ وأصعب من الحرب المادية: «فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحم (أي أُناس بشريين)، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات» (أف 6: 12). لذلك فالرب هو الغالب حتماً لأنه «خرج غالباً ولكي يغلب» (رؤ 6: 2).
أما نحن فعلينا أن نكون أُمناء للمسيح - له المجد - رافعين سلاح الصلاة، وساهرين لهذا عينه، والرب سوف يُقيم في الزمان المناسب الحماية والدفاع، سواء في حياتنا الشخصية، أو في زمن ضعف كنيسته. | |
|