هى قصة جميلة جداا و لكن لطولها سأسردها بأختصــار
قـدمت إلى أمريكا منذ شهر واحد، و أستقريت فى نيو جيرسى ، و كان هناك مؤتمر للفتيان و الفتيات حوالى خمسمائة أتوا من جميع الولايات للمشاركة فى هذا المعسكر الكبير و كان حاضرا نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، بدأ الشباب و الشابات فى طرح الأسئلة و مهاجمة الكنيسة بسبب معارضتها الحفلات الراقصة و منع التحرر و الاختلاط فى الكنيسة
شعرت بحزن و بمرارة شديدة تجاة هؤلاء الفتيان و الفتيات الذين نشأوا فى مجمتع أمريكا المفتوح و أحسست بالاحباط كيف سأتعامل معهم ، و كيف سأخدمهم ، بالتأكيد سيقولون انى متخلف أو من كوكب أخر
عقب الأنبا موسى بقراءة جزء من جريدة أمريكية تصدر فى ولاية نيوجيرسى: "تحذير خطير.. أمنعوا الزنا و شددوا القوانين و إلا سيفنى كل سكان الولاية بالأمراض الجنسية".
جاءت الاستراحة سريعا و سمعت صوت شاب يقول ،
أحنا ما اتعرفناش أنا جرجس لطفى و قلت انا مدحت بنيامين ، هو شاب أشقر عرفت ان والدة مصرى و والدتة اجنبية و أستمر فى الحديث معى
قال: أنا اول مرة اشوفك ، اكيد لسة جاى جديد من مصر بس ازاى عرفت تاخد اجازة من شغلك؟
قلت: بصراحة انا مش لاقى شغل خالص
قال: طيب خذ دول خليهم معاك لحد ما تشتغل
نظرت لة فى ذهو و هو يخرج 500 دولار و يضعهم فى جيبى
أية دة لا دة انت ما تعرفنيش!!!
قال: لما تبقى تشتغل ...أبقى رجعهم
تذكرت بحزن موقف بعض الأصدقاء المصريين الذين تخلوا عنى ، و رفضوا مساعدتى فى غربتى .. و هكذا تعرفت على جرجس الذى يعيش فى امريكا و يعمل فى وظيفة كبيرة و يحضر حالياً رسالة دكتوراة فى الكيمياء ، و اكتشفت انة ليس بخادم أو مسئول معروف فى الكنيسة و لكنة متطوع كل مهمتة توصيل أى خادم أو كاهن جاء من منطقة بعيدة للمشاركة فىالمؤتمر
ذهلت لما علمت هذا.. فالكل يلهث خلف المال فى عالمنا المادى ، و لم أتوقع أن أجد أنساناً يضيع وقتة هكذا لمجرد هذا العمل البسيط.
توطدت علاقتى بجرجس خلال المؤتمر و اكتشفت انة مملوء بالسلام و الهدوء و البساطة و التواضع و حب الله من كل قلبة و عقلة.
انتهى المؤتمر و أصر جرجس على مصاحبتى للبحث عن عمل و أخذ أجازة خصيصا من عملة للتفرغ لهذة المهمة و لم تكن بالمهمة السهلة ، لعدم توفر الفرص و لضعف لغتى الانجليزية
و بدأت اشعر باليأس وفكرت انزل مصر و لكن جرجس شجعنى و رفع من معنوياتى و ظل معى حتى وفقنى الله فى عمل فى محطة بنزين
قبضت اول مرتب و أسرعت بة لـ جرجس لأسدد جزء من دينى و أشكرة و لكنة فتح باب منزلة و هو يتحدث فى التليفون، جلست و انتظرت ان ينتهى من المكالمة ولكن المكالمة طالت و بدأت فى التوتر و الغضب لقد مر أكثر من ساعة و لم أحب أن أتطفل أو اتصنت و لكن لصغر حجم الشقة سمعت جزء من المكالمة و فهمت انة يطيب خاطر شخص ما يمر بمشكلة و فعلاً بعد ما انتهى جرجس من المكالمة علمت انة كان يتحدث لمريض نفسى و يضيع كل هذا الوقت و المجهود فى تهدئتة.
عرضت علية أن أسدد جزءا من دينى و لكنة قال ببساطة "أنت مستعجل لية ..علىمهلك لما امورك تستقر أبقى أدفع" .. و أصر على ذلك.
و فى مساء يوم السبت العشية ذهبت إلى الكنيسة و طلب منى أحد الخدام أن أساعد فى عمل القربان لأن الكنيسة ليس بها عجانة فوافقت و ذهبت إلى حجرة القربان الساعة 11 مساء و كان فى إنتظارى المفاجأة وجدت جرجس يعجن القربان ، على ما يبدو انة متخصص فى الخدمات المجهولة أو كما يسميها الأباء خدمة غسل الأرجل
و ايضا عرفت بعد هذا انة ساعد ولد فى الثانوية العامة فى المذاكرة و ايضا كبار السن فى شراء احتياجاتهم و توصيلهم و يساعد والدة و والدتة المسنين و يصرف على اخوتة و رأيتة بعد القداس ينحنى أمام والدة المسن ليساعدة فى إرتداء حذائة
أنى أكتب اليكم اليوم قصة "جرجس" بعد رجوعى من أمريكا ، صدقونى .. لم يبهرنى شيئاً فى أمريكا أكثر من هذا الشخص العجيب الذى لن أستطع أن أنساة طوال حياتى و ليسامحنى القارىء فقد غيرت الأسماء الحقيقية للقصة,
لقد عاش "جرجس" كل حياتة فى أمريكا و لكن لم تستطع أمريكا أن تملك على قلبة و عقلة فكان ممن
" يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونة" (1كو31:7)
منقوول من كتاب قصص من بستان المحب منقول للامانة B!co