ولد هذا الأب البار فى 12 نوفمبر عام 1936م من ابوين بارين تقيين فى قرية الريدانية مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية وتسمى باسم رفقى جورجى عبده .. وكانت لاسرته قرابة بالجسد من المتنيح الانبا ثاؤفيلس أسقف دير السريان .
وعندما كانت والدته حاملا فيه رأت رؤيا: بئر وبداخله كوكب يضئ كالشمس ولما قصت رؤياها على زوجها قال لها : ان البئر هو بطنك والكوكب هو ابن مبارك سيعطيه الرب له ويتمجد فيه اسم الرب .
ومن حداثته الأولى عشق الألحان الكنسية والطقوس ذات الروعة الخاصة فى الكنيسة الارثوذكسية وكان مواظبا على حضور القداسات والتناول من الأسرار المقدسة وفى سن صغيرة رُسم شماسا .
وبعد حصوله على دبلوم الزراعة فى سنة 1958 عمل موظفا فى وزارة الزراعة فى المنصورة ثم نقل إلى كوم امبو وهناك تعلم حياة الوحدة بعيدا عن الأهل والأصدقاء واشتاق ان يحيا الحياة الرهبانية ويكرس نفسه للسيد المسيح .
وفى بداية سنة 1964 توجه إلى دير السريان وقابل نيافة الانبا ثاؤفيلس وطلب منه قبوله كطالب رهبنة وفى بداية الأمر لم يرضى ان يخبره بشخصيته حتى لا يعتبر الأسقف الجليل أنه جاء بدافع صلة القرابة وانها مثل الواسطة ولكن الأسقف القديس علم ذلك بعد قليل وقبله فى الدير .
وفى 24 مايو 1964 تمت رهبنته باسم الراهب اثناسيوس السريانى وكان محباً للوحدة والصلاة والتسبيح مطيعا لارشادات اباءه الرهبان القدامى وتعليمات رئيس الدير وقد عمل لنفسه مغارة بالقرب من الدير كان يتردد عليها بين الحين والاخ للاعتكاف والصلاة والخلوة .
بعد حوالى خمس سنوات من رهبنته تمت رسامته قسا بيد الانبا ثاؤفيلس رئيس الدير وبعدها بقليل رقاه قمصا وكان يأخذه معه للصلاة فى مقر الدير بالقاهرة المعروف باسم العزباوية .
سمع الانبا دوماديوس مطران الجيزة ( اطال الرب حياته ) عن روحانيته واعماله فطلب من الانبا ثاؤفيلس ان ينتدبه للصلاة والاشراف على دير الشهي ابوسيفين فى طموة فاذن له وذهب ابونا اثناسيوس إلى هناك وبدأ فى اعمال الترميمات فى الدير وتعرف عليه الشباب فأحبوه وبدأوا يتوافدون عليه ويعترفون على يديه وأحسوا انهم وجدوا الأب الحانى الذى يسمع لطلباتهم ويلبى احتياجاتهم الروحية .
وبعد فترة انتدبه قداسة البابا شنودة الثالث ( اطال الرب حياته ) ليكون اب اعتراف لراهبات أديرة ابوسيفين ومارجرجس فى مصر القديمة والعذراء ومارجرجس فى حارة زويلة ، فكان يذهب إلى هذه الأديرة ياخذ الاعترافات ويصلى فيها قداس مرة فى الاسبوع وذلك لأخر يوم فى حياته .
وكانت له صلة ودالة قوية وعجيبة بالقديسين فقد حدث ذات مرة ان احد الأشقياء استوقفه فى الطريق شاهرا فى وجهه مطواة وأخذ منه كل الاموال اللى كانت معه وكانت خاصة بدير ابوسيفين فى طموة فوقف بعدها امام صورة الشهيد ابوسيفين وقال له بدالة الاصدقاء : يرضيك كدة ابقى عسكرى شغال عندك وفلوسك تتسرق منى وانت قائد كبير . انت لازم تتصرف ، لو كان مارجرجس كان هيجيبهم بسرعة .. وما ان انهى كلامه حتى دخل الدير ذلك الشقى الذى سرقه وطرح الاموال امامه قائلا : خد فلوسك وكفاية اللى حصلى من وراهم . فنظر ابونا إلى صورة ابوسيفين وقال له : كنت عارف انك هتجيبهم .
وكان متواضعا جدا فكان من السهل للغاية ان يصنع ميطانية امام احد ابنائه او بناته طالبا منهم الحل او السماح وكانوا يخجلون من فرط تواضعه الغريب وفى هذا الشأن كان يحب قصة القديسة اناسيمون ويقول ان اهانات الراهبات لها كانت اكبر بركة فى حياتها ، وكان يقول لابنائه المعترفين انا مستاهلش اقعد معاكم وتعترفوا عندى .
قال احد ابنائه الروحيين انه ذات مرة كان فى بيت الخلوة فى دير ابوسيفين بطموة ولم يكن ابونا موجودا وقتها وكان فى دير السريان ويقول هذا الأخ انه استيقظ ليلا ليشرب فمر من أمام غرفة ابونا اثناسيوس فوجدها مضاءة ففتح الباب بهدوء ولكنه فوجئ بنور يسطع فى وجهه كالشمس فاغلق الباب فى قوة وفى اليوم التالى عندما جاء ابونا سأله ذلك الأخ : انت كنت هنا امبارح يا ابونا ؟ فأجابه : يا بنى انا لسه جاى قدامك .. وعندما هم ذلك الأخ بالانصراف قال له ابونا ببساطة : لما تشوف حاجة ويكشفها ليك ربنا ابقى امشي بهدوء مش ترزع الباب قوى كدة !!!
وفى اخر ايامه كشف له الرب موعد انتقاله فيقول بعض ابنائه الروحيين انه دائما كان يسأل عن يوم 13 مسرى فيقولوا له انه عيد التجلى فيقول وفيه حاجة تانى كمان فكانوا يحتارون ولا يعرفوا ماذا يجيبونه .
وقالت احدى بناته التى كانت تتردد عليه لأخذ عينة دم منه للتحليل كل فترة معينة ان اخر مرة قال لها : مفيش عينات تانى خلاص . فقالت له : ليه يا ابونا هو انا تعبتك ولا أيه ؟ فلم يعطها جواباً وبعد اسبوع واحد تنيح ففهمت معنى كلامه .
وبعد تلك الحياة المجاهدة التى انارت الطريق امام كثيرين جاء يوم 13 مسرى الذى كان ينتظره ابونا اثناسيوس وبعد ان اخذ اعترافات بناته الراهبات فى حارة زويلة توجه بسيارته إلى الكنيسة المرقسية بالازبكية وفى الطريق احس بضيق شديد فى التنفس وكان معه احد ابنائه الروحيين فتولى قيادة السيارة حتى فناء الكنيسة ولم يستطيع ابونا النزول من السيارة لشدة تعبه وحاول بعض الموجودين اسعافه ولكن روحه الطاهرة قد فاضت لتصعد مع تجلى المسيح وتحتفل فى الفردوس مع ارواح القديسين والشهداء والأبرار وكان ذلك يوم 19 أغسطس سنة 1997م .
واكراما له ولمجهوده وخدمته قرر قداسة البابا ان تتم الصلاة عليه اولا فى دير ابوسيفين للراهبات حتى يستطيع ابنائه وبناته توديعه .. ثم نُقل جسده الطاهر إلى دير السيدة العذراء السريان وهناك صلى عليه اخوته الرهبان مرة اخرى ثم دفنوه فى طافوس الدير طالبين لنفسه النياح ولأوده العزاء .
صلاته تكون معنا أمين
المراجع : كتاب / الراهب القمص اثناسيوس السريانى رجل البساطة والمحبة والصلاة
منقول للامانة